أحدث المشاركات

إعلان أعلى المشاركات

ضع إعلانك هنا

الأربعاء، 28 أكتوبر 2020

التحليل النفسي التطبيقي


تفسير النسر في ذكرى الطفولة ليوناردو دافنشي بواسطة سيغموند فرويد


ف محمد امين / التحليل النفسي اليوم 

في المشهد الموسع للتحليل النفسي، يعد مفهوم "التحليل النفسي التطبيقي "،  بمثابة جسر بين الرؤى النظرية والتطبيقات العملية في مختلف مجالات التجربة الإنسانية. من الإعدادات السريرية إلى السياقات الثقافية، يشمل التحليل النفسي التطبيقي  مجموعة متنوعة من التطبيقات التي تهدف إلى فهم ومعالجة الظواهر النفسية في سياقات العالم الحقيقي. في هذا الاستكشاف الشامل، نتعمق في عالم متعدد الأوجه للتحليل النفسي التطبيقي، ونفحص أصوله وأسسه النظرية وتطبيقاته المتنوعة عبر مجالات مختلفة.

النشأة والتطور:

يمكن إرجاع جذور التحليل النفسي التطبيقي إلى الأعمال الرائدة لسيجموند فرويد وأتباعه الأوائل في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وضعت نظريات فرويد حول العقل اللاواعي وآليات الدفاع والتطور النفسي الجنسي الأساس لفهم السلوك البشري والعمليات النفسية. مع تطور التحليل النفسي، بدأ الممارسون في استكشاف الآثار العملية للنظرية الفرويدية خارج حدود الإطار السريري، مما أدى إلى ظهور التحليل النفسي التطبيقي كمجال متميز للدراسة.

 الأسس النظرية:

يعتمد التحليل النفسي التطبيقي في جوهره على الإطار النظري لنظرية التحليل النفسي لفهم ومعالجة مجموعة واسعة من الظواهر النفسية. توفر المفاهيم المركزية مثل آليات اللاوعي والتحويل والدفاع نظرة ثاقبة لتعقيدات السلوك البشري والدوافع الأساسية التي تحرك الأعمال الفردية والجماعية. يستخدم المحللون النفسيون التطبيقيون مجموعة متنوعة من تقنيات التحليل النفسي، بما في ذلك التداعي الحر، وتحليل الأحلام، وتفسير المحتوى الرمزي، لاستكشاف ديناميكيات اللاوعي التي تلعب دورًا في سياقات مختلفة.

 التطبيقات في الممارسة السريرية:

أحد المجالات الأساسية للتحليل النفسي التطبيقي هو الممارسة السريرية، حيث يتم تطبيق مبادئ التحليل النفسي على علاج اضطرابات الصحة النفسية والاضطراب العاطفي. يهدف العلاج التحليلي النفسي، والذي يتم إجراؤه غالبًا في أماكن مكثفة وطويلة الأمد، إلى الكشف عن الصراعات اللاواعية وتسهيل الرؤية والحل من خلال العلاقة العلاجية. يعمل المحللون النفسيون التطبيقيون مع الأفراد والأزواج والمجموعات لمعالجة مجموعة واسعة من القضايا النفسية، بما في ذلك القلق والاكتئاب والصدمات النفسية واضطرابات الشخصية.

التطبيقات الثقافية والاجتماعية:

خارج الإطار السريري، وجد التحليل النفسي التطبيقي تطبيقات في سياقات ثقافية واجتماعية متنوعة، بما في ذلك الأدب والسينما والفن والسياسة. توفر مفاهيم التحليل النفسي رؤى قيمة حول المواضيع الأساسية والرمزية الموجودة في الأعمال الفنية الثقافية، مما يسمح بفهم أعمق للتجربة الإنسانية والديناميات المجتمعية. يساهم المحللون النفسيون التطبيقيون أيضًا في التعاون متعدد التخصصات، ويعملون مع باحثين وممارسين من مجالات أخرى لاستكشاف التقاطعات بين التحليل النفسي ومجالات مثل  الفن و الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والفلسفة.

مثال تفسير النسر في بحث فرويد من  ذاكرة طفولة ليوناردو

يروي فرويد  ذكرى طفولة ليوناردو دافنشي حيث يتذكر هذا الاخير أنه تعرض لهجوم من قبل طائر جارح يُعرف بالنسر. يفسر فرويد هذه الذكرى بشكل رمزي، مشيرًا إلى أن النسر يمثل والد دافنشي، الذي كان حضوره الرسمي والمستبد يلوح في الأفق بشكل كبير في طفولته. يرى فرويد أن خوف دافنشي من النسر يعكس مشاعره المتناقضة تجاه والده، الذي كان يعجب به ويخشاه في نفس الوقت. إن ذكرى هجوم النسر، وفقًا لفرويد، هي بمثابة استعارة لعلاقة دافنشي المعقدة مع السلطة وكفاحه من أجل الاستقلالية والتعبير الإبداعي.

 التحديات والتوجهات المستقبلية:

وبينما يقدم التحليل النفسي التطبيقي رؤى غنية وتطبيقات عملية، فإنه يواجه أيضًا تحديات وانتقادات. يثير النقاد مخاوف بشأن الطبيعة الذاتية لتفسيرات التحليل النفسي، وعدم وجود التحقق التجريبي من صحة مفاهيم التحليل النفسي، يتطلب دمج مبادئ التحليل النفسي في مجالات متنوعة حوارًا وتعاونًا مستمرًا بين المحللين النفسيين والممارسين من التخصصات الأخرى.

يعكس الاختلاف في وجهات النظر داخل مجتمع التحليل النفسي الفرنسي فيما يتعلق بالتحليل النفسي التطبيقي تفسيرات مختلفة لنطاق ممارسة التحليل النفسي والغرض منها. يتماشى هدف دانييل لاغاشي بالحصول على "الاحترام الأكاديمي" مع وجهة نظر أكثر تقليدية للتحليل النفسي باعتباره نظامًا سريريًا يهتم في المقام الأول بالتدخل العلاجي. في المقابل، يؤكد منظور لاكان على مركزية اللقاء التحليلي النفسي بين المحلٌل والمحلل في عملية العلاج.

وجهة نظر دانييل لاغاش:

سعى دانييل لاغاش إلى تأسيس التحليل النفسي باعتباره نظامًا أكاديميًا محترمًا ومعترفًا به في إطار المؤسسات الأكاديمية القائمة. بالنسبة للاغاش، كان تركيز التحليل النفسي على الممارسة السريرية وعلاج المرضى الأفراد. يمكن النظر إلى التحليل النفسي التطبيقي، في هذا السياق، كوسيلة لتوسيع مبادئ التحليل النفسي في المجالات ذات الصلة مثل علم النفس أو الطب النفسي أو العمل الاجتماعي، بهدف تعزيز النتائج العلاجية وفهم السلوك البشري.

وجهة نظر جاك لاكان:

قدم جاك لاكان إعادة تفكير أكثر جذرية في نظرية التحليل النفسي وممارسته، مؤكدا على أولوية اللغة والرمزية في بناء الذاتية. بالنسبة إلى لاكان، لم يكن التحليل النفسي مجرد أسلوب علاجي، بل كان أسلوبًا للخطاب يتمحور حول العلاقة بين اللغة والرغبة واللاوعي. من وجهة نظر لاكان، امتد تطبيق التحليل النفسي إلى ما هو أبعد من الممارسة السريرية ليشمل ظواهر ثقافية واجتماعية ولغوية أوسع.

إن تركيز لاكان على البعد الرمزي للتحليل النفسي دفعه إلى التأكيد على أن التحليل النفسي لا ينطبق إلا على سياق العلاج، حيث ينخرط المحلل في حوار مع المحلل. يؤكد هذا المنظور على أهمية لقاء التحليل النفسي باعتباره مساحة فريدة لاستكشاف الرغبات والمعاني اللاواعية.

يعكس التوتر بين تركيز لاغاش على الممارسة السريرية ومفهوم لاكان الأوسع للتحليل النفسي أولويات مختلفة داخل مجتمع التحليل النفسي الفرنسي. في حين سعى لاغاش إلى تأسيس التحليل النفسي ضمن نطاق الاحترام الأكاديمي، فإن تركيز لاكان على البعد الرمزي للتحليل النفسي فتح آفاقًا جديدة لفهم الذاتية البشرية والظواهر الثقافية.

في النهاية، يسلط الجدل حول نطاق التحليل النفسي التطبيقي الضوء على الحوار المستمر داخل نظرية التحليل النفسي وممارسته فيما يتعلق بطبيعة اللقاء العلاجي والآثار الأوسع لرؤى التحليل النفسي لفهم السلوك البشري والمجتمع. اذ يمثل التحليل النفسي التطبيقي  مجالًا ديناميًا ومتطورًا يربط بين النظرية والممارسة في مجال التحليل النفسي. من أصوله في النظرية الفرويدية إلى تطبيقاته المتنوعة في السياقات السريرية والثقافية والاجتماعية، يقدم التحليل النفسي التطبيقي رؤى قيمة حول تعقيدات السلوك البشري وإمكانات النمو والتحول النفسي. مع استمرار الممارسين في استكشاف حدود جديدة والتعاون متعدد التخصصات، يظل التحليل النفسي التطبيقي قوة حيوية وذات صلة في فهم النفس البشرية ومواجهة تحديات الحياة المعاصرة.

مراجع : 

1- ليوناردو دافنشي وذكرى طفولته (1910).

2 - الهذيان والأحلام في رواية"غراديفا" لجنسن1907

3 -  الكتاب المبدعون وأحلام اليقظة  1908

4 -  تمثال "موسى" لمايكل أنجلو 1914

5 - الغرابة المقلقة 1919

6 -  دوستويفسكي وقتل الأب1928

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

روابط الصفحات الاخرى

زوارنا من العالم

Free counters!

عن الموقع

مدونة التحليل النفسي اليوم هي مبادرة تهتم بالبحث في التحليل النفسي و محاولة لاثراء الثقافة التحليلية النفسية في العالم العربي من خلال تتبع و نشر كل ما يتعلق بالتحليل النفسي كعلاج نفسي و كنظرية

1

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *