ينزاح باشلار ، عن مسار علم النفس الكلاسيكي الذي درس أحلام النار ، ذات التأويل الجنسي خاصة. وذلك، ليهتم بمسألة حلم اليقظة أمام النار. يتحدد الفرق بين المفهومين في : ((يسير الحلم خطيا، ناسيا طريقه وهو ينساب. بينما يشتغل حلم اليقظة كنجم، يعود إلى مركزه ليطلق أشعة جديدة. وبشكل أدق، فإن حلم اليقظة أمام النار، العذب والشاعر بسعادته، هو طبيعيا الأكثر تمركزا)) .
تمثل نار الموقد عند الإنسان الموضوع الأول لأحلام اليقظة ورمزا للاستراحة ودعوة لها. فالجلوس بمحاذاة النار يعطي للفرد إمكانية خلق تأملات لا تنتهي، وتتحول من صورتها المرعبة أصلا إلى عنصر تظهر فيه قيم الحب والاحترام. تخلق، نار الموقد نوعا من المتعة النفسية، يقول باشلار : ((حلم اليقظة خاص جدا وعام كذلك، يحدد عقدة حقيقية تنطوي على عشق واحترام النار وغريزة الحياة والموت. باختصار، يمكن تسميتها عقدة أو مبيدوقل)) . مستوحيا، معطيات هذه العقدة من إحدى أعمال جورج ساند George Sand. وهي، تقوم على ثلاث عناصر أساسية : الحب، الموت والنار. تتوحد كلها، وتجتمع في نفس اللحظة.
اللحظة، إحدى مثيرات الحلم وعنصر للفكر. يمكن، أن تنقلنا إلى مصادر الفكر الفلسفي : ((حلم اليقظة ، بجانب النار له محاور فلسفية أكثر. النار عند الإنسان الذي يتأملها، نموذج للصيرورة السريعة وكذا التغير الظرفي. توحى النار، بالرغبة في التغير واقتحام الزمان)).
اهتم التحليل النفسي بدراسة الأحلام والأساطير المحيطة بالنار، إلا أنه لم يمنهج بعد حسب باشلار ، باستثناء أعمال "يونغ" : ((دراسة التفسيرات العلمية الموضوعية التي تتوخى تأسيس اكتشافات إنسان ما قبل التاريخ))(18). يجب، أولا انتقاد الشروح العلمية المعاصرة والتي يظهر بأنها لا تلائم اكتشافات الإنسان البدائي، فهي تنطلق من "عقلانية صارمة وسريعة"، دون أن تدرك الشروط النفسية للاكتشافات البدائية. لذا، يعتقد باشلار بوجود : ((تحليل نفسي غير مباشر، يتموقع ثانية، يبحث دائما، عن اللاشعور خلف الشعور والقيمة الذاتية تحت البداهة الموضوعية، وحلم اليقظة بين ثنايا التجربة. فلا يمكن، أن ندرس إلا ما حلمنا به أولا. ينبني، العلم بالأحرى على حلم اليقظة أكثر من التجربة))
من ثوابت هذا التفسير، أن الإنسان البدائي ينتج النار، بعملية حك قطعتين من الخشب. لكن، الدوافع والدواعي الموضوعية المفسرة لسبب التجاء هذا الإنسان إلى تصور وإدراك، ذلك تبقى غير كافية. فالتأويل العقلاني، يبقى عاجزا عن إيجاد أسباب اكتشاف الإنسان البدائي للعبة الاحتكاك ، باعتبارها تجربة تأخذ بعدا جنسيا في الدرجة الأولى.
الوسيلة التي يحتفظ بها باشلار ، من أجل إيضاح وتبيان نفسية الإنسان البدائي، تتجه نحو دراسة الشعوب البدائية التي لازالت تعيش بيننا : ((بالنسبة لتحليل نفسي للمعرفة الموضوعية، تتجلى فرص أخرى للبدائية، تبدو لنا في النهاية ملائمة أكثر. يكفي، في الواقع تأمل ظاهرة جديدة، كي ندرك صعوبة الموقف الموضوعي المناسب حقا)) .
لقد سعى، إلى اتباع نفس مسار "يونغ"، أي دراسة وبحث مكونات الليبيدو عبر تمظهرات كل الأنشطة البدائية، فهو يعتقد أنه لا يتسامى فقط الليبيدو في الفن، ولكنه أصل، ومنبع كل أعمال الإنسان الصانع. الاحتكاك، باعتباره حقيقة موضوعية لنشأة النار، يأخذ في الواقع مع تمثلات التحليل النفسي بعدا جنسيا. تشتعل النار، بالحب والتجنسن.
لتأكيد، أطروحة البعد الجنسي للاحتكاك وكذا النار البدائية. استثمر باشلار حالة الشاعر نوفاليس ، باستلهامه عقدة تحمل اسم الشاعر نفسه. عقدة، تعمل على التركيب بين الدافع اتجاه النار كما يحدثه الاحتكاك ثم الرغبة في الدفء : ((تؤلف عقدة نوفاليس بين الاندفاع نحو النار التي تنتج عن الاحتكاك، وكذا الرغبة في دفء متبادل. سيشكل ثانية، هذا الاندفاع في بدائيته الأصلية غزوا للنار قبل - تاريخي. تتميز، عقدة نوفاليس بالوعي بدفء حميمي يتصدر دائما علما بصريا كليا بالضوء))
يوحي، هذا الدفء برغبة في اختراق عمق الأشياء والموجودات، مختلفا في ذلك عن النور الذي يبقى عند سطح الأشياء. يقول باشلار : ((حيث العين لا تصل أبدا، وتعجز اليد عن الولوج، يتسلل الدفء. وقد عثر نوفاليس على رمز هذا التوحد بالداخل وكذا الحميمية الحرارية)) . يعطي، الدفء الناعم شعورا بالسعادة.
اقتباس من مقال غاستون باشلار وفلسفة النار / سعيد بوخليط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق