بقلم: جيانا كردي
لفرويد نظريتان في الغرائز..
النظرية الأولى تقوم على التعارض بين الغرائز الجنسية وغرائز الأنا. "إذا تفوقت غرائز الأنا على النزعات الجنسية فإنها تقوم بكبت هذه النزعات". أما النظرية الثانية فتقوم على التمييز بين نوعين من الغرائز:
غرائز الحياة (إيروس)، وهي تهدف إلى الربط والتجميع، وبالتالي تهدف إلى بقاء الكائن الحي
وغرائز الموت (ثاناتوس)، فهي تهدف إلى حل التجمعات والرجوع بالكائن الحي إلى الحالة اللاعضوية حيث الموت هو نهاية كل حي، وسنشرح كل من المصطلحين بشيء من التفصيل
1-الايروس (غريزة الحياة)
لقد استعاد سيغموند فرويد هذا المصطلح من الشعراء والفلاسفة القدماء "فهو يعلن أنه مدين بهذه النقطة لشوبنهور، وإلى مفكري ما قبل المرحلة السقراطية، فأمبيرو كان يرى العالم يخضع إلى تجاذب قوتين متعارضتين وخالدتين هما الحب والكراهية".. فالأيروس هو الرغبة العامة فيما هو جيد وما يجعلنا سعداء، كما يقول أفلاطون.
إن هدف الأيروس هو إقامة وحدات متزايدة في كبرها، أي أن هدفه هو المحافظة، ويكمن دوره في تقريب الأفراد بعضهم من بعض وصيانة حياتهم.
إن القوة (ايروس) التي تجمع بين كائنين لكي يلتحما في وحدة ارتقائية تؤمن استمرارية الإنسان، وهو الذي يجمع أفراد العائلة والمجتمع على أهداف نافعة".
فالايروس هو حليف الحضارة وهو معاونها، وهدف نزوات الحياة هو الحضارة أي تحقيق الحياة الاجتماعية والعيش المشترك فبذلك يصبح الايروس أساس الحياة الاجتماعية.
أما المجموعة الثانية لغرائز الحياة فهي الغرائز الجنسية التي تهدف للمحافظة على استمرار الحياة واستمرار النوع.
فإذاً ايروس هو حليف للحضارة مقابل ثاناتوس بوصفه العدو الحقيقي الذي ينبغي التغلب عليه وقهره.
وقد تمثلت مهمة الحضارة في قمع نزوة الموت والعدوانية أكثر مما تمثلت في قمع إيروس.
2-الثاناتوس (غريزة الموت)
فإن هدف النزوة الأخيرة تدمير الأشياء، فيفترض فرويد "أن الميل نحو حفظ الذات ونحو تثبيت الذات محددان لأجل ضمان الطريق الذاتي إلى الموت أمام الكائن الحي". فتتمثل نزوة الموت في النزعة الأساسية عند كل كائن هي للعودة إلى الحالة اللاعضوية ، فإن نزوة الموت تنزع إلى العودة إلى حالة سابقة .
إن الحياة ليست في أكثر أشكالها وصيغها سوى منظومة دورات من أجل الوصول إلى الموت وتحقيقه، وبالتالي فلأن الهدف الأساسي للدوافع هو في الحقيقة نوع من "النرفانا" (أي الاتحاد مع الله في الفلسفة البوذية) وهي حالة من الهدوء والراحة.
ويقوم "الليبيدو" بمهمة تحييد هذه النزوة التدميرية ويتخلص منه بتحويلها في جزئها الأعظم إلى الخارج، وبتوجيهها ضد موضوعات العالم الخارجي وذلك بمساعدة نظام عضوي خاص هو الجهاز العضلي.
وتسمى هذه النزوة عندئذ نزوة التدمير ونزوة السطوة.
يوضع جزء من هذه النزوة مباشرة في خدمة الوظيفة الجنسية وتلك هي السادية الفعلية.
بينما لا يتبع جزء آخر هذا الانتقال إلى الخارج وهذه هي المازوشية.
وطالما كان عمل نزوة الموت قاصراً على الداخل فهي تظل صامتة ونحن نفطن إليها حينما تتجه إلى الخارج وتصبح نزوة تدمير.
إنّ قمع مشاعر العدوان على العموم مسبب للمرض, وغالباً ما يبين الشخص الذي يتملكه الغضب كيف يحدث الانتقال من حالة العدوان المكبوت إلى حالة التدمير الذاتي وذلك بتوجيه عدوانه إلى نفسه.
يمثل الثاناتوس كل ما يكتشفه الإنسان في داخل نفسه من نزعة إلى الحقد والكراهية والتدمير والقتل في كل أشكاله ولاسيما الحروب المدمرة.
إنّ إدراك واقع غريزة الموت لا يأخذ شكله المرئي إلا عندما يتوجه إنسان في إيذاء نفسه أو توجيه هذا العدوان إلى الغير وغالباً ما تقوم الحضارة بتجمع هذه النزوات.
لقد شهدت غريزة الموت معارضة واسعة خارج مدرسة التحليل النفسي وداخلها أيضا وذلك لأسباب متعددة جداً.
"يعتقد بعض المفكرين، كما يلمح إلى ذلك ماركوز، أن السمة الفطريّة لدوافع الموت والتدمير يجعلنا نفقد أي أمل في أن نقلع عن القمع".
ويعتقد فرويد أن لغز الحياة يكمن في هذين الميلين المتصارعين فيما بينهما، مفترضاً أن تطور الحضارة ينبغي أن يمثل الصراع بين ايروس وثاناتوس، بين نزوة الحياة ونزوة التدمير. وهو لا يبدو متشائماً بقدر ما هو متشكك، بالنهاية الموفقة للصراع بين ايروس وثاناتوس.
"هل سيكون في مستطاع تقدم الحضارة، أن يسيطر ويتغلب كل خلل تحدثه في الحياة المشتركة نزوات البشر إلى العدوان وتدمير الذات؟".
*كاتبة المقال أخصائيّة في "الإرشاد النفسي"
لوحة تصوّر ملك الموت بريشة إيفيلين دي مورغان، رسمت عام 1881.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق