من خلال الامثلة التي عرضناها خلال المقال السابق ماذا وراء زلات اللسان ؟ و من هذه الأمثلة نرى أن ما حدث هو اجتماع أو تعارض معنيين مختلفيين من الكلام معا - و كلا المعنيين مقصود - أي ان هذه الزلات او الهفوات ليست عفوية الصدفة و انما هي تمثل أعمالا او تصرفات عقلية جدية لها دلالاتها و معانيها .. و مع ان الشخص الذي يقع فريسة لزلة اللسان قد يبرئ نفسه من المعنى الذي يستشفه من قوله الا ان تحليل ما يجري في ذهنه كفيل بأن يؤكد النية الخفية التي يضمرها ...
و هناك أنواع اخرى من الخطأ : كأن ينسى الشخص اسما مألوفا لديه و يجد مشقة في تذكره فليس من الصعب في هذه الحالة أن نحسد ان في نفسه شيئا ما ضد صاحب هذا الاسم
و نسيان القرارات او الامور المتفق عليها يمكن أن يرجع الى تيار من الشعور يقاومه صاحبه لأنه ضد تنفيذ تلك الامور ..
و فقدان الاشياء امر مؤلم في حد ذاته لذلك قد يكون من الصعب أن نصدق أن المرء قد يهدف الى غرض من وراء اضاعة اشيائه .. غير ان ثمة حوادث كثيرة تؤكد وجود مثل هذا الغرض ... من ذلك أن شابا فقد قلما كان يعتز به الى حد كبير لأنه كان هدية من زوج اخته ... و قد ظهرأنه تلقى رسالة من هذا الشخص قبل ضياع القلم بأيام قلائل جاء فيها ( انني لا أجد من الوقت و لا من الرغبة ما يحدو بي الى أن اشجع فيك استهتارك و تكاسلك ... ) و كم حوادث من هذا القبيل تؤكد جميعها ان المرء يفقد عادة الاشياء التي يتخاصم مع من اهداها اليه فلا يعود راغبا في كل ما يذكره به ..
و كسر الاشياء و تحطيمها حين تقع من ايدينا مثلا دون قصد ظاهريا انما هي وسائل اخرى يستعملها العقل الباطن لتحقيق نفس الغرض ..
ليس العبرة بالخطأ انما بدلالته
و من ثم فالعنصر الاساسي في الخطأ ليس شكله او نوعه و انما هو الاتجاه الذي يستغل فيه ... أما تحقيق المرجو منه فيتم بشتى الوسائل المتباينة .. و من ذلك ما يرةى عن كيميائي الماني شهير نسى موعد حفلة قرانه فقصد الى معمله بدلا من ان يذهب الى الكنيسة .. ثم ظهر انه كان ينفر من خطيبته
مثل هذا التدخل من اللاشعور عامل هام في علم النفس .. ففي زلات اللسان يكون المرء قد قاوم هذا التدخل و كبته و عقد العزم على ان لا يعبر عن افكاره في كلامه و لكن هذا الميل المكبوح يظهر نفسه عل الرغم من ارادة صاحبه اما بتغيير التعبير الذي يعمد اليه المرء او بخلطه بالتعبير الخفي المقصود ..
من هذا ندرك كيف تنبعث زلات اللسان و من ثم يبين لنا التحليل النفسي مدى قوة الكفاح العقلي الذي تتطلبه الحياة التي نود ان نهيئها لانفسنا ... و هو كفاح مبعثه الميل الى ان نقضي عن ذاكرتنا ما لا يروق لنا من أشياء ..
محمد أمين / التحليل النفسي اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق